ثمة فصل أخير قبل الموت
رفقاء الحرف كانوا بالأمس دفء ليل ودثار حلم وأنفاس عشق ..
شاخت الحروف وارتعشت الأكف , وثمت حنين لليال ليلكية
سكبت عبر أوردتها همهمات فيروزية الأنين ..
(أنا عندي حنين ما بعرف لمين
ليليي بيخطفني من بين السهرانين)
ولكن حنيني يا مطرية العيون تعرفين لمن هو ..
(أمس إنتهينا فلا كنا و لا كان
يا صاحب الوعد خلي الوعد نسيان)
فعلا لا كنا ولا كانو , نسيونا ولم أنسى
ومازالت أصداء أحلامهم تسكن تجاويف القلب
يا قلبها فليسكنك الوجد الذي أوجعنا
تركتني :
(زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى)
ولكنها صدقا استعصت حتى على النسيان
ثمة فصل أخير قبل الموت .. نعم
فلن يسدل الستار إلا على نصل اليأس وقد غاص في نحر البطل الأكذوبة
وسيسقط سيفه الخشبي , ويحرر قيود النساء المنكسرين في حضرته
وتظل لأحلامه قصة لن تنتهي ..
(كل ليلة عشيي قنديلك ضويه
قوي الضو شويي و ارجعي وطيه
بيعرفها علامة و بيصلي تتنامي )
الله اكبر كيف يجيك النوم
وانا اشتعل كلي قناديل
يا شوقي ابد ما يجيك اللوم
انا لمت روحي
وصارت دموعي هماليل
(بشتاقلك لا بقدر شوفك و لا بقدر احكيك
بندهلك خلف الطرقات و خلف الشبابيك)
هذه تعويذة الفصل الأخير , شوق ولا لقاء
نداء ولا مجيب , ونوافذ تحكي قصص الراحلين
ولكن ثمة صدى أنفاس تسكن أضلاعها المهترئة
هناك .. ذات زمن
سفر طويل قطعته كفي لأشير إليها
وأميل نحو رفيق الصبا .. أكاد اقسم
أنها تحبني ..
(حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي
نطرتك بالصيف نطرتك بالشتي
و عيونك الصيف و عيوني الشتي
ملقانا يا حبيبي ..
خلف الصيف و خلف الشتي)
كذبة هي كنت أدندنها عبر ليالي الشتاء
(حبيتك في الصيف حبيتك في الشتا)
ولم ادرك اني أحبك عبر كل الفصول
ربما لهذا رحلت حبيبي ..
هل أغضبتك حين كنت اغني وأسلبك بقية الفصول
ليتك اخبرتني يا حبيبي
لوهبتك الفصل الأخير قبل الموت
لك وحدك
وأسدل الستار
بقبلة على جبينك الليلكي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا عندي حنين
(بس بعرف لمين)
..........
تحت نافذتي ماء
سكبته ضمائر الفاسقين
السماء رحيمة
ولكن أبناء الأرض قساة
اغتصبوها ..
جردوها من ثوب الحياة
وفصلوا من أهداب عينيها
حزمة (شيكات)
مروا بحفرة ابتلعت (ريم)
وحفروا بعدها ألف حفرة
لتسقط فيها ألف ريم
وتباكوا على مدينتي
ولعنوا الشيطان الرجيم
ذلك الزنديق الذي
ما مل يؤذي المسلمين
صاح إبليس ربي
هم يلعنونني
وأنا ألعن كل أفاك أثيم
مدينتي ليلها كئيب
تلعن أبناءها
قبل أن تلعن أي عابر غريب
أجبروها أن تمارس البغاء
وأن تخاف رحمة السماء
تلك العروس
خطوا على وجهها رموز
كأنها شفرة الأرصدة البعيدة
فأصبحت عروسنا السعيدة
كأنها عجوز
تحت نافذتي ماء
وأناس تجمدت فيهم الدماء
والليل شاحب الضياء
أتعلمين
ينتابني حنين
لحرفك الحزين
وشوق يعبر خاطري
وقصيدة غادرت دفاتري
وأنت ترحلين
ولكنني .. يا قطتي الحزينة
نسيت حزني لحظة
لأن ماء جامحا
يجتاح هذه المدينة
وكل ذنبها
أن غاصبا لها
وبعض حراسها
لم تكن قلوبهم أمينة .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اعذرني
هزني الشوق لعلومك
وجا طاريك بعد فرقا
ابد حبيبي ما يمكن الومك
على ما غص بي من حرقه
اعذرني
تعبت اشيل ذكراك
وتعبت من كثر اللي يحبونك
روحي ودنيتي كلها فدواك
وابحث عن اخبارك ولو سرقه
دنيا عشتها بعد دنياك
كنها ليل من دونك
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جدة حزينة
مثل مركب هجر بحرها
وصار غصه في نحرها
صار تحفة على رصيف مينا
يشوف المراكب من بعيد
ساري عالي
وشراع جديد
مركب قديم مهجور
نسي الشط ونسيته المواني والبحور
واقف بعزة وتاريخ مقهور
يعتب على اولاده
ليه كسروا مجاديفه
ليه باعوا مسامير أعواده
ليه حرموه من حضن المراسي
وصارت اخشابه مراجيح وكراسي
وغرقوه في الوحل والطين
جده حزينة
مثل مركب قديم .. مهجور .. حزين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطريق إليك مليء بالكلمات المدببة
وأنا رهنت حذائي لتاجر الحروف
سلبني أصابعي ليعيد حذائي
فباتت الكلمات كالعرجون القديم
فقدت قدرتي على الكتابة
وأثقلني حذائي عن اللحاق بك
ومازلت في منتصف الموت
أحمل هموم المسافات
واتجرع صديد الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يغني في هذا الليل
(هدأ الليل ولا قلب له أيها الساهر يدري حيرتك )
ما أبشع حيرة الشعراء
تخنقهم أسئلة الحيرة ورفقاء المساء نيام
يقتقدون قلبا لليل أو قلبا لرفيق ليس ثمة فرق
هذا الليل الذي لا يغيب رغم رجاء فيروز
( ليلية بترجع يا ليل وبتسأل عن ناس
وبتسقيهم يا هالليل كل واحد من كاس
غبلك شي ليلة يا ليل وانسانا يا ليل )
هذا الليل ما عاد يجرعنا الأحلام
وبات يعج بقوافل الأسئلة ومراتع التائهين
وها أنا أغني :
هذا الليل عابث
له رجع وهمهمة وصهيل
شاخصة إليه عيوننا
وترفض أن تميل
عله يسكن وجدنا
فهل للسهارى
غير حزن جليل
...
ما للسهارى يسكبون
حرفا فحرفا تائهون
هل من هجر خل ٍ
أم من حلم نازف
هم خائفون
...
يالهذا السهر
وجد وفقد وضجر
وحبيب راحل ما مل من ترحاله
وأنا مازلت أغني
ما زلت أنتظر
تمضغني الثواني يلوكني التمني
استجدي القدر
...
أما لهذا الليل من نهاية
أكلما تهاوى وشاب في ظلامه
أرتدى لساهريه حلة البداية
ومازالت يا هاجري
أغص بالحكايه
حكايتي القديمة
أدندنها .. أغني
والدمع في حروفها ينساب في تأني
كأنني يا فاتني استطعم الألم
واستلهم من دمعها
أحرف الشقاء
حبيبي
أما لهذا الليل من نهاية
أما سأمت يا ملاكي
فقد أتعبني الغناء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كإشارة استفهام أقف شامخا
وكعلامة تعجب تهزأ بي
وضعتك خلف فاصلة
ووضعتني خلف النقطة الأخيرة
ولكن ستظل دوما بين (يا حبيبي)
...
كتبت احبك
فتلهيت عنها بوضع همزة الألف
قلت سأحبك ألف
وقلت سأنساك ألف ألف
قلت سآتيك من أمامك
وسآتيك من خلف
وفي يدي وردة ً
فقلت سأحمل نصلا ماضيا
وآتيك من خلف خلف
...
حملتك عرشا
وحملتني نعشا
غمرتك تقبيلا
وهويت عليّ نهشا وتقتيلا
...
كتبتك عشقا ومحض حياة
ومحوت وجودي ومزقت أوراقي
وهيأت لي ألف ممحاة
بنيتك صرحا شامخا
وحولت هامتي عبر ريحك
شضايا وفـُـتاة
كنت لي ماض ٍ وآت
ولويت من أجل عينيك
عنق الكلمات
فضحكت ساخرا
صارخا .. مستكبرا
لم تكن لي أنت سوى ماض ٍ
وقد فات
...
كم همست لك (Come)
وكم صرخت بوجهي ( Go )
وكم سألتك (Love me)
وكم أجبتني (No)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجع قلب
أعرف أن كلماتي لن تتجاوز سقف حلقي , وأعرف أنني لا أكتب هنا إلا للفضفضة والتنفيس نسبيا من ( وجع القلب ) الذي نعيشه في جدة بشكل مستمر .
شركة عثمان أحمد عثمان تقوم ب‘نشاء كوبري فلسطين (اوكي) ونتمنى من الله ألا نقع في أخطاء كوبري الملك عبدالله مستقبلا ( ويطلع مسئول في الأمانة ليقول أن المضخات تعطلت , وبعده هطلت أمطار مرة أخرى ثم ثالثة ولا ندري أين المسئول الذي قال أن المضخات معطلة ولماذا لم يتم اتخاذ إجراء ما لو كانت هذه المضخات موجودة أصلا , ربما أطلق تبريره وفي اعتقاده أنها أخر موجة مطر سنشهدا في جدة وبعده سننسى موضوع المضخات المعطلة ) .
وبغض النظر عن الكلام عن الأمانة وما يقال عنها , لدي تساؤل بسيط من مواطن مجهول ومنها :
1/ هل هناك رقابة من الأمانة على تلك المشاريع (الكباري والأنفاق) والتي يستمر العمل فيه سنوات ؟
2/ هل ستتلافى شركة عثمان أخطاء نفق الملك عبدالله أم سنعيش معاناة كوبري ونفق شارع فلسطين مستقبلا ؟
3/ لماذا لا نتوجه لشركات صينية أو شرق أسيوية كماليزيا مثلا أو (كحلم) لليابان لمثل تلك الإنشاءات الحيوية ؟
إن ما يدعوني للإحباط مقدما من أعمال شركة (عسمان أحمدعسمان) والذي تشترك الأمانة معها في هذه الجريمة التي ندفع ثمنها ونعايشها يوميا , أمر في غاية البساطة ويمكن للأمانة إراحة آلاف المواطنين المساكين الذين تفرض الظروف عليهم استخدام هذا الشارع البائس , تصوروا معي ومن يمر من هذا الشارع يدرك قصدي , الاتجاهات الأربعة مغلقة وتم عمل تحويلات أقل ما يقال عنها أنها عشوائية , والأدهى والأمر أن الطريق ذي الثلاث مسارات المتجه من الشرق للغرب يحول نحو خط خدمات صغير وهذا الخط مليء بالحفر ومستنقعات المياه مما يضطر السائقين للتزاحم عبر مضيق واضح المعالم نسبيا بعيد عن الحفر المملوءة بالمياه , مما يخلق جو من الغضب والانفعال والتزاحم وربما الاحتكاكات وما يليها من مشاجرات وشتم .
السؤال : هل عجزت الأمانة عن إجبار شركة عملاقة والتي ستربح الملاين من وراء هذا (المشروع الجبار الحيوي) من تهيئة الطريق الفرعي المحدث لاستيعاب كل تلك الأرتال من السيارات ؟
إن هذا الطريق الفرعي قصير ولا يكلف تهيئته مبالغ ضخمة , ولكن الواضح أن الشركة تعمل ما يحلو لها وأمامها العمر المديد لتنتهي من مشروعها العملاق , وأتحدى أيا كا أن يقول أن للأمانة رقابة على أعمال الشركة وأكبر دليل على ذلك لو أن مراقب واحد يتحلى بالحس الوطني والرحمة الإنسانية لنبه مسئولي الشركة أو نقل الصورة لمسئولي الأمانة لإجبار الشركة (وأي شركة أخرى تقوم بنفس العمل )على تهيئة الطرق الفرعية جيدا قبل غلق الطرق الرئيسية , لقد تعودنا كمواطنين أن تغلق الشركات الطرق الرئيسية أثناء عمل المشاريع وتصبح التحويلات الفرعية عبارة عن طرق مليئة بالمطبات والحفر وكأن هناك اتفقاق بين الأمانة وأصحاب قطع غيار السيارات على بقاء هذه الحالة .
وهذا الحديث حول جزئية بسيطة وهي كوبري شارع فلسطين أما بقية الشوارع الداخلية في الأحياء أنا واثق أن أي مسئول من المرتبة (10) وما فوق لم يدخلها ولا يدري ما فيها .
أعرف أنني أمارس الفضفضة لا غير لكن من حقي كمواطن أن أعبر عن (وجع قلبي) ولو عبر منتدى فقط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين العجز الثقافي والعجز الحضاري
ربما يمضغ قطار الحضارة في طريقه لحم الجسد الاجتماعي أحيانا كثيرة , فالمخضرمين في العمر يدركون الدفء الذي كان يسكن الجسد الاجتماعي في حقبة زمنية ما ضية , ولت أزمنة الحواري والتجمعات تحت (إتريك الحارة) , وخروج قوافل الشباب لتنظيف أزقة الحواري قبل ليلة العيد من الأحجار وركام المخلفات المختلفة , ثم التخطيط بين مجموعات الجيران لزيارة بيوت الحارة دون إغفال أي بيت , ويمضي قطار الأيام ويمر بمحطات حضارية مختلفة , ويختفي ذلك الدفء شيئا فشيئا , وتذبل خيوط الشرنقة الاجتماعية ابتداء من الجيران مرورا بالأقارب وحتى أبناء العائلة الواحدة , عصرنة تعصر في طريقها أفئدة كانت رهينة للصخب الاجتماعي , وسحب داكنة من الرسائل الالكترونية وخيوط الشبكة العنكبوتية وفضائيات أغرقت ما تبقى من الزمن الجميل في مستنقع الحضارة الملتهب , وبتنا على شرفة الوقت نرقب تسارع الأيام والشهور وكأنها في سباق معنا لتصل بنا خط النهاية لتعلن للغافلين (End of Life) أو ( انتهت حياتك) .
ربما كانت مسيرة الحياة الاجتماعية معلقة بين عجلات قطار الحياة ولا بد لها من المرور بمحطات مختلفة الأطوار , ولكن لماذا يعجز الإنسان من الحفاظ على مكاسبه الاجتماعية عبر الزمن من ذلك الدفء الاجتماعي الذي غرب مع غروب شمس الحواري ؟
ولماذا نكتفي بقشور التغيير ونحصر أنفسنا بين إطارات التغيير الاجتماعي دون المنظومات الأخرى من الإطارات الحضارية ؟
وفي اعتقادي أن استبدال بيوت الطين والحجر والصنادق والأتريك والفانوس والزير بالبيوت الاسمنتية أو الصناديق الاسمنتية والفلل والقصور , واستبدال الجمل والحمار والحصان باللكزس والمرسيدس والفيراري كلها استبدالات قشرية تحت مظلة الشكل الاستهلاكي والمستعبد والعالة على دعم مجتمعات بعيدة , إن تلك المجتمعات تستطيع خنق ومحو الهيكل الحضاري الذي تغتر به المجتمعات الاستهلاكية المتلقية لكل جديد من تلك المجتمعات البعيدة , ولا شك أن هذه الحضارة (القشورية) ورثت لأبنائها قواعد عامة تبتلعهم من حيث يدركون ومن حيث لا يدركون , فمن تلك القواعد ( أنا ومن بعدي الطوفان ) واستبدلنا مقولة ( أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ) بمقولة ( أنا على أخي وابن عمي والغريب) , كما أصبح الرصيد البنكي أهم من الرصيد الأخلاقي والديني , ونبتت بين ظهرانينا براعم سوء طالت واستطالت وتجردت من روابط الأرض والوطن والمواطنة والدين والأخلاق , فخانت الأمانة وداست على أرواح الأبرياء مقابل ( رشوة أو واسطة أو هجرة لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو لن ينكحها ) .
هذا الأرث الحضاري الذي تفيأنا بظله وسنورثه لأجيالنا القادمة والذين حتما مع تنامي قسوة التغيير عبر كل جيل سيضيفون عليه بصماتهم التي تلوح في الأفق من عقوق ولهاث خلف المادة وارتماء بين أحضان التطور التكنولوجي ومحاربة كل صوت يدعو للتمسك بما تبقى من قيم (إلا ما رحم ربي) , ومع الغرق في التبعية الحضارية وصلب الابداع والتطور الذاتي والبعد شيئا فشيئا عن ملامحنا الاجتماعية العتيقة , وتوقف الحياة بكل نواحيها على ما يقذف إلينا من الشرق أو الغرب (ابتداء من ملابسنا الداخلية وحتى الطائرة التي نسافر فيها ) , سنكون كاللقمة التي تلوكها الأفواه حتى إذا ما فقدت طعمها لفظت كما تلفظ العلكة بعد استهلاكها .
إن المجتمع بحاجة ماسة وظرورية لأن يفتح دفاتره المغبرة , ويخلق ( مكاشفة ) اجتماعية جديدة ليبدأ (إعادة بناء) تبدأ من المواطنة الصادقة تحت ظل ( أحب لأخيك ما تحب لنفسك ) ومرورا بـ(المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً) وانتهاء (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
إن غياب الوازع الديني والذي يندرج تحت لوائه الوازع الحضاري , يظهر في جسد المواطنة كأسوأ ما يمكن أن يحدث من غياب الإحساس الصادق بالمواطنة وحب الآخرين وعدم الإساءة للوطن , وزرع بذور الشقاء الاجتماعي للأجيال القادمة وما بعدها . كما أن غياب الإحساس بالمسئولية الصادقة يضيع الأمانة التي يقع فوق كاهلها أرتال من الأدبيات الحضارية والمادية والإدارية والأخلاقية فكلنا مسئول عن نفسه وعن رعيته أولا ثم عن الهيكل الاجتماعي المحيط ثانيا .
إن أخطر ما يواجه أي مجتمع عبر التاريخ البشري هو تضييع الأمانة التي تبرأت منها الجبال وحملها الإنسان الذي ألقى بها في أحيان كثيرة تحت براثن مصلحته الشخصية وكأنه فرد واحد أحد وليس قطعة من لحم ودم داخل منظومة جسدية واحدة إذا تعفنت بجرثومة المد الحضاري بعيدا عن لقاح الأخلاق تعفن سائر الجسد واستكان لبوادر (الغرغرينا) الاجتماعية و (الغرغرينا) المادية و (الغرغرينا) الأخلاقية و (الغرغرينا) الوطنية .
إن الوطن والمواطنة بناء يحمينا من العواصف والتيارات الخبيثة التي تخطف الناس من حولنا , وليس من المواطنة في شيء الاهتمام بقشور الحضارة ونحن نعاني من عجز حضاري يتغلغل في أعماق تفاصيلنا اليومية , فالحضارة ليست مال وبناء وكماليات وتفاخر بالأنساب والأولاد , ولكن الحضارة الحقيقية هي بناء الذات وتملك مفاتيح القوة الاقتصادية والأخلاقية والحفاظ على سائر الجسد الاجتماعي من حمى العولمة المجردة من الإنسانية والاهتمام بالآخر والبعد عن الأنا .
إن تملك مفاتيح القوة الاقتصادية والاكتفاء عن الآخر أو الشراكة المتزنة والتنوع الإنمائي لهو جوهر الأمان بعد الله لمستقبل آمن .
وهذا التغيير المنشود هو أمانة عظيمة ستسألنا عنه أجيال الغد , وينبغي لأي غافل قد أصابه مرض العجز الحضاري أن يعي أن ما يغفل عنه من عجز حضاري هو مرض وراثي سيصيب أبنائه وأبنائهم من بعدهم شعر بذلك أو لم يشعر .
إن السعادة الحقيقية والبداية الصحيحة لبناء حضارة إنسانية يتفيأ الجميع بنعمها وهي البذرة الكريمة التي تخبيء الغد الواعد والمستقبل المطمئن لفلذات أكبادنا تقوم على قاعدة بسيطة المعنى سهلة القول يسيرة الفهم ولكنها عظيمة الغاية وتحوي بين معانيها على لبنة الهيكل الحضاري الراسخ هي ( أحب لأخيك ما تحب لنفسك) , فكل شر تسعى به ولو ( دون أن تقصد أو تقصد ) خلف ظهر الوطن والمواطن هو شر يصيبك كما يصيب الآخرين .
فمن أرتشى فهو عاجز حضاريا .
ومن قطع إشارة المرور فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في مصلحة عامة فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في أرزاق الناس فهو عاجز حضاريا .
ومن تسبب في عناء المواطنين فهو عاجز حضاريا .
ومن ألقى نفايات من سيارته فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في منشأة ترفيهية أو مقعد على شاطيء البحر أو لوث الحوائط بكتاباته فهو عاجز حضاريا .
ومن عبس في وجهك فهو عاجز حضاريا .
ومن قصر في وظيفته فهو عاجز حضاريا .
ومن حرص في وظيفته على أقل قدر من الجهد ولديه إمكانية التطوير فهو عاجز حضاريا .
وربما لا نهاية لصور العجز الحضاري الذي يمكن أن نعاني منه والذي قد يصادف أيا منا ذات وقت .
أما العجز الثقافي , فربما كان العجز الأكثر إيلاما والأسهل معالجة والذي لم يعد مستهجنا أو غاب عن وجه حياتنا اليومية , فلم يعد للكتاب صحبة وأصبحنا ننظر باستغراب وربما ببعض الاستهزاء بمن ينتظر في مكان ما وهو منهمك في قراءة كتاب ما , وهذا إن وجد , فمن منا عبر ممارساته اليومية المختلفة شاهد شخصا ما وفي أي موقع على خارطتنا المكانية وقد استخلص من أوقات الانتظار أجمل ما فيها ألا وهي الاختلاء بكتاب ما , ولربما استكان آلاف الأشخاص وفي مختلف الأماكن لساعات الانتظار وهم يلوكون الوقت بنظرات شاردة أو مراقبة الرائح والغادي أو إهدار لحظات من العمر في سبيل اللاشيء , لقد غاب الكتاب عن لحظات حياتنا اليومية وصار البعض يعاقره قهرا في سبيل حياة مادية يسعى إليها , وأصبحت المكتبات ترتكن لموظفيها ولأرتال الغبار والتصاق الصفحات , وخلت المنازل من غذاء الروح واستبدل الكتاب بالوجبات الثقافية السريعة وربما المسمومة من (نت و فضائيات , إلا ما رحم ربي) , وربما أخذت الكتب شكلا (ديكوريا) لا أكثر ولا أقل , وربما نجد في بعض المقابلات السريعة عبر بعض البرامج أسئلة بسيطة وتعتبر من مبادئ المعلومات الثقافية ولا تجد من يجيب عليها , وربما ايضا تجد شابا جامعيا لا يستطيع اإجابة عن أسئلة ثقافية سهلة المضمون أو لا يستطيع قراءة آية من القرآن قراءة صحيحة أو ربما بيت شعر لشاعر جاهلي مثلا , لقد مضى زمن المعلم الشامل الذي يستطيع أن يزود طلابه بكافة الوجبات الثقافية من قراءة ونحو وصرف وتاريخ وحساب وإملاء وحل محله المعلم المتخصص الذي يعجز ربما في توصيل تخصصه بطريقة سلسلة لطلابه , وظهرت نظريات (دفه لا تنشب فيه) بدلا من الحرص على نجاحه بجدارة (إلا من رحم ربي) ,
وما أسوأ العجز الثقافي حين تجد صاحب الشهادات العليا لا يستطيع كتابة جملة مفيدة دون خطأ أو لا يستطيع إلقاء خطاب دون أن يرفع المفعول وينصب الفاعل ( ذات مرة حضرت ندوة في جامعة ما وكان المحاضر رئيس قسم اللغة العربية ورصدت أكثر من عشر جمل يرفع فيها المفعول وينصب الفاعل ) .
إن تناول الثقافة عن طريق (الفضائيات أو النت) أشبه بالحقنة الموضعية التي تأخذ لعلة محددة ولكنها لا تشفي كافة البدن من علله , ولا ينتج عنها الإحساس بلذة ومتعة تلقي لطائف الكتب ورحيق الكلمات , إن احتضان الكتاب ومجالسته والتنقل بين عوالمه بهدوء وروية دون ضجيج الأضواء والأصوات لهو محض نشوة تجتاح الروح وتأخذ بالفكر والعقل والوجدان لعوالم مدهشة .
إن الخروج من ضائقة العجز الثقافي ليس لها حل سحري أو علاج خرافي أو نصائح خبير , ولكنه وبكل بساطة العودة لرياض الكتب وبدء التعود على صهر جزء من الوقت المهدر في الانتظار أو العبث أو استنزاف هذا الوقت في مواد لا تسمن ولا تغني من فكر , إن بداية اتخاذ مثل هذا القرار حتى ولو شابه الكثير من عدم القناعة الذاتية أو الإحساس بعدم الرغبة في خوض مثل هذه التجربة التي اصبحت غريبة علينا لهي كافية في زرع بذرة الحب الفطري للثقافة التي فقدناها بعد وقوعنا تحت عجلات قطار العجز الحضاري والثقافي .
إن وقوع أي مجتمع بين سندان العجز الحضاري ومطرقة العجز الثقافي لهو كاف لخلق أجيال جوفاء ومجتمعات اتكالية طفيلية , تنمو للداخل حتى تتبلد وتتعفن وتموت .
فابدأ بنفسك ,
فما أنت إلا جزء من كل ,
وإذا صلحت صلح الكل ,
وصلح اليوم ,
وصلح الغد لأجيال الغد الذين هم أبناؤنا وأحفادنا ,
فإما تركناهم يترحموا علينا أو يلعنونا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العولمة والتونسة بين الذهول والمجهول
حقبة زمنية عربية نشهدها أو نشهد عليها ربما يصعب تكرارها عبر الحقب التاريخية , فنحن في عالمنا العربي وربما لأول مرة نشهد وبذهول تحقيق فحوى بيت من قصيدة الشاعر التونسي العظيم أبو القاسم الشابي :
( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر )
لقد كانت قراءة مثل هذا البيت من الشعر العربي لا يخرج عن كونه خيال لشاعر عربي ومجرد سحر البيان الذي تمثله اللغة العربية , ولكن التونسيون حولوه لواقع مفروض وبركان تاريخي شعبي لم يخضع للمزايدات السياسية والمراهنات الفئوية .
ربما من أخطر المدلولات في الحقبة التونسية هو خروج شعب بأكملة حاملا مطلب واحد محدد ويحملون قبله الإصرار التام للوصول لتلك الغاية , حالة غير مسبوقة في التاريخ العربي بالذات وهي نظرة أجمع عليها المراقبون , وربما من المذهل وما يعتبر نقلة نوعية أن تحقق الجماهير مطلبها بهذه السرعة وضد أشرس نظام بوليسي عربي , ومما أذهل المتابعين للساحة السياسية العربية سرعة التجاوب من بعض المجتمعات العربية وبدء سريان تلك الشرارة هنا أو هناك , ولا يستبعد أن نجد تغييرا قريبا يعصف بكل التوقعات والاحتمالات وما يفوق نظرة المراقبين ربما , فهل سنشهد قريبا تغييرا لأغلب الأنظمة العربية بعد فك رموز المعادلة الصحيحة لنيل الحقوق على يد التونسيين ؟
سؤال مذهل , والإجابة عليه ربما لن تكون متوقعة أيضا .
إن ظهور غيوم العولمة على عالمنا المعاصر لتشابك المصالح وتلاقح المجتمعات عبر وسائل الاتصالات المذهلة وتأثير المناخات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من مجتمع على آخر بسرعة رقمية مذهلة كما ساهمت هذه المنظومة كثيرا في تفاقم الحالة التونسية والمصرية واليمنية .. وما يظهر بعدها .
إن حالة الذهول التي سادت المجتمعات العربية للحالة التونسية لم يكد يفق منها ليصحوا على بدء الحالة المصرية وولادة الحالة اليمنية بشكل أقوى من ولادته السقيمة قبل أشهر بعد تجرعه للقاح التونسي , وربما المجهول يعد لنا الكثير من حالات الذهول الغير متوقعة قريبا .
هذا المجهول لم يعد خاضعا كما مضى لعصي رجال الأمن ولا لخراطيم المياه ولا لأسوار المعتقلات , ويبدو أن حقبة (الكرنك) قد ولت فعلا ومحيت من تاريخ الغد بالممحاة التونسية المذهلة .
إن عصر العولمة مر بالمجتمعات العربية بطيئا رقيقا ينظر إلينا على استحياء للنقص الكبير في عقليات المجتمعات العربية لأنها لم تنضج حضاريا ربما , ولأنها مجتمعات تتلقى كل مظاهر الحياة من الحاكم الأوحد فإن أصاب صفقوا له وإن أخطأ صفقوا له أيضا ولو تحت مبررات يقبلها قهرا تارة وجهلا تارة أخرى .
إن العولمة العربية الحديثة الوليدة الممزوجة بالطاقة التونسية فتحت بابا لا يكاد يغلق من التوقعات المجهولة في الغد القريب , وهذا المجهول لا يخضع لمنطق أو لفكرة أو لمعقول متوارث كما نعرفه , إنها حالة جديدة , خاصة , أشبه ما تكون بانقلاب اجتماعي على ثقافة ابن خلدون المتوارثة في فكرته عن المجتمعات , إنها عصرنة زلزلة الثقافة الاجتماعية والسياسية العربية من جذورها , ويبدو أنها أرست قواعد جديدة تمهد لأرضية جديدة بين الحاكم والمحكوم .
وسيظل هذا الغد مجهولا حتى ينكشف عنه الغطاء التاريخي فإما تنقلب الموازين المتعارف عليها في ثقافتنا العربية وإما يتوقف هذا الغد المجهول عند الحالة التونسية وتصبح حالة إنسانية شاذة أذهلت العالم العربي فترة من الوقت فقط .
ولكن هناك سؤال ينبعث من بين هذا الركام الهائل من الأحداث التونسية والمصرية واليمنية وما يتبعها , ألا وهو أين تكمن تلك الشرارة التي يمكن أن ترسم ملامح هذا الغد المجهول لأي مجتمع عربي بالذات ؟ وكيف يمكن للأنظمة أن تتلافى هذا البركان الاجتماعي والسياسي الوليد ؟
لا شك أن الإجابة واضحة ومحددة ألا وهي ...
غياب العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
والتي لخصها بعد فوات الأوان (بن علي) بقوله " أنا فهمتكم " ولكن كما قلت بعد فوات الأوان , ولكن الأوان لم يفت لغير بن علي , بل على العكس لقد منح (بن علي) بقية الحكام العرب الحل السحري الذي يضمن الوقوف ضد هذا المد البركاني التونسي التاريخي المذهل ألا وهو :
تحقيق العدالة بكافة صورها حتى تفتح جسورا جديدة من الثقة بين الحاكم والمحكوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تونسة
لبننة
صوملة
عرقنة
سودنة
يمننة
.
.
(سياسة عكننة في عكننة)
ولكن هذه ألـ (عكننة ) . لها ما يبررها في أحيان كثيرة من حيث حق الشعوب في تقرير مصيرها والوقوف ضد الظلم والطغيان أو ضد سياسة التجويع وربما سياسة القطب الواحد تارة أخرى .
.
.
بس الحمد لله ألـ(خلجنة) أكيد غير , مكرمات , زيادات رواتب , مواد غذائية مجانية , راتب شهر هدية ( وهذه حقيقة ولو أن البعض يتحفظ على مقولة مكرمة وهدية , ويمكن تسميتها شراكة اجتماعية واقتصادية بين الدولة والمواطنين حتى يرضى أولئك البعض , ربما ) .
وقبل تلك المسميات بكثير كنا نسمع عن (السعودة) , وطبعا نعرف أنها تعني إحلال الطاقة الوطنية محل الطاقة الوافدة , وبالأخص في الشركات الخاصة التي تتفاوت فيها الرواتب بشكل فلكي بين السعودي والوافد , وربما هناك بعض التخصصات تبرر هذا التفاوت , ولو أنها لا تبرر هذا التفاوت في حالة تساوي التخصص بين السعودي والوافد , ونتمنى من الحكومة أن تتخذ خطوات جديددة وجدية في هذا المجال الذي لم يعد له مبرر خاصة في الشركات الخاصة التي تعمل وكأنها تتباهى بخصوصيتها ضاربة بعرض الحائط كونها على أراض سعودية , وينبغي أن يعم خيرها أبناء هذا البلد الذي يطعمهم المن والسلوى بدل تحويله لأرصدة خارجية كنهر يصب في غير مصبه الطبيعي .
نتمنى من تلقي المزيد من خيرات ألـ (خلجنة) لأنهم قادرون ونحن مستحقون , وكذلك لأننا شعوب لا تهوى ألـ(عكننة) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى في ذي يا أمانة جدة
صباح بارد جميل قل أن يمر علينا في جدة , كنت في (البلكونة) بعد أن نزلت لكشك (بون) وأخذت نسكافيه وقاعد أسمع محمد عبده يغني ( حطني جوه بعيونك) ورأيت كما يرى النائم شيء لم أعهده من أمانة جدة , (خير اللهم أجعله خير) سيارة نظافة من اللي تجمع القمايم مقفلة من الخلف بستارة أو تيزار قوي لتغطي القاذورات والمخلفات عن نظر الناس وعن مرور هواء جدة العليل عليها ومنع الذباب من أن يسرح ويمرح عليها , ثم تفاجأت أكثر عندما رأيت سيارة أخرى تسبقها وهي ونيت ترجل منه هندي أو بنغالي يلبس بنطلون نظيف وقميص أنظف وكاب بألوان متجانسة يعني شياكه تمام , بصراحة استغربت وقلت غريبة وش صار على أمانتنا اللي ماعندها أمانة فلما أحضرت نظارتي المقربة عرفت السر , لقد كان مكتوب على السيارتين ( أمانة مدينة الرياض ) !!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التقنية (ذلك السلاح الفتاك ) تُسقط هامات الرجال
( الفيس بوك , التويتر , الجزيرة )
لا استبعد أبدا أن الأحداث المذهلة خلال الأيام القليلة الماضية كان سببها الرئيسي هي منظومة التقنيات الحديثة بكل أشكالها , فهذه التقنيات هي التي نقلت صورة (البوعزيزي ) وأججت نار الثورة التونسية , وعبر الفيس بوك تشكلت موجة الغضب المصرية , ولا عجب أن من أول اهتمامات الحكومة المصرية قفل هذه القنوات وعلى رأسها الجزيرة والفيس بوك , وربما كما يقال أن خلف الأكمة ما خلفها بين المصريين والجزيرة , ولذلك يجد المتابع المنصف أن الجزيرة غطت الأحداث المصرية بعين الشارع والمعارضة بزاوية منفرجة , بعكس العربية والتي غطت الأحداث بزاوية قائمة بين الطرفين , وأعتقد أن العربية انتصرت في هذه الجولة على الجزيرة بالضربة الفنية (غير القاتلة ) .
إن الحقبة القادمة هي حقبة التقنية , فبهذه التقنية (ربما) ستدك عروش وتقوم عروش , وهذا الفيضان الهادر وكأنه سد مأرب أنهار أمام الكراسي الحاكمة بواسطة (فأرة التقنية) , وربما من أمضى أسلحتها أن تجيش جيوش المواطنين خلال ساعات , وقدرت على ما لم تقدر عليه المنظمات المعارضة وأجهزة الاستخبارات وكل القوى البشرية الأخرى , ولا أشك أن جميع أجهزة أمن العالم الثالث ستبدأ بوضع خطط ودراسات جدية لمواجهة هذا ألـ (يأجوج ومأجوج) الإعلامي الحديث , وما قامت به السلطات العربية ( مصر, تونس سوريا ) ومن سيتبعها من كبح جماح شهوة التغيير والانفجار لدى مستخدمي هذه التقنية لهو أكبر دليل على تحسس هذه الأنظمة لخطورة هذا العدو الجديد الذي قفز على كل إجراءات المخابرات والشرطة والأمن المركزي وغيرها من أجهزة القمع (إذا ما سخرت لذلك) , كيف ستبدو الحقبة الزمنية القادمة , وكيف ستكون المعركة بين الأنظمة وهذا الخضم العنيد الخفي الذي يتسلل إلى كل العقول والقلوب دون المرور بنقاط التفتيش البوليسية , هذا الغد العجيب مازال مجهولا , وربما تتفتق عقول القادة لسلاح مقاوم يعيد لها كرامتهم ويطمئن خوفهم ويحفظ ماء وجههم الذي صانوه كثيرا ثم ما لبث أن تبخر بين ليلة وضحاها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرف الكلمة بين شجاعة المتنبي وجبن مبارك
في مقابلة تلفزيونية قديمة عرضتها العربية لمبارك دار الحوار التالي :
- المقدم : هل الرئيس يفكر في الاستمرار في حكم مصر .
- مبارك : إنك تكون رئيس مصر دي إرادة شعب , إذا الشعب مش عاوزك لما تعمل إيه مفش فايدة .
والشعب اذا كان عاوزك مش حاتقدر تمشي , مش بسهولة تمشي .
تذكرت موقف أخر لأبي الطيب المتنبي , فقد هجا أبو الطيب ضبة الأسدي بقصيدة منها :
وَحيلَةً لَكَ حَتّى عُذِرْتَ لوْ كنتَ تَأبَهْ
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ القَتْـ ـلِ إنّمَا هيَ ضَرْبَهْ
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الغَدْ رِ إنّمَا هيَ سُبّهْ
يَا قَاتِلاً كُلَّ ضَيْفٍ غَنَاهُ ضَيْحٌ وَعُلْبَهْ
وَخَوْفَ كُلّ رَفِيقٍ أبَاتَكَ اللّيْلُ جَنْبَهْ
فلما كان المتنبي عائدًا يريد الكوفة، وكان في جماعة منهم ابنه محشد وغلامه مفلح , لقيه فاتك ابن أبي جهل الأسدي وهو خال ضبة , وكان في جماعة أيضا فاقتتل الفريقان فقـُـتل المتنبي وابنه وغلامه , لأن المتنبي لما ظفر به فاتك أراد الهرب فقال له ابنه (وقيل عبده) أتهرب وأنت القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فاستحى المتنبي وعاد وقاتل حتى قتل .
هنا المفارقة بين الموقفين , فالمتنبي دفع حياته ثمنا لشرف الكلمة , ومبارك دفع بحياة المئات من أجل التمسك بشهوة السلطة ولم تكن تلك الكلمات عبر ذلك اللقاء أكثر من (طنطنة) سياسية لا معنى لها , ولم تكن للكلمات عند مبارك أي شرف يذكر , فماذا يريد أكثر من هذا الرفض لغالبية الشارع المصري لحكمه ؟
ولا شك أن المحيط الساسي لمبارك من رجال أعمال وسياسيين أكثر حرصا من مبارك على التمسك بالحكم لأنهم يعلمون أنه بسقوط مبارك سيتساقطون كالذباب واحدا تلو الآخر , وما نراه من سياسة البلطجة وأسلوب الجاهلية من امتطاء الخيول والجمال لقمع التمرد ليس المسؤول عنه مبارك لوحده فقط بل كل من يحيط به من متنفذيين يحاولون الحفاظ على كراسيهم التي غرست قوائمها في كبد عيش الإنسان المصري البسيط . ربما جاء مبارك لحكم مصر بعد السادات كبطل , وليته خرج منها كبطل أيضا , ولو كان مبارك يملك رؤية تاريخية حاذقة لسجل لنفسه وأحفاده اسما من ذهب , وذلك بتنحيه فور اندلاع المظاهرات ولأخذ زمام المبادرة من الشارع ليخرج بطلا من أبطال التاريخ المصري , ولكن شهوة السلطة كانت أكبر من نداء التاريخ , فآثر الشهوة العاجلة ( والتي حنما لن تدوم ) عن موقف بطولي بانسحابه بكرامة واحتراما لشرف الكلمة التي وعد بها من قبل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الهيئة ) ..
1- والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم ..
لا يطالب بإلغاء جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا واحد من أربعة :
أ- من في قلبه مرض .
ب- من في قلبه غرض .
ج- من وصلته شائعة فافترض .
د- من لا يفقه شيئا فاعترض .
جهاز الهيئة بإذن الله سيقترن بقاؤه ما بقيت الشريعة قائمة , لماذا :
لأنه بكل بساطة من صلب هذه الشريعة ومن متطلباتها , فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب من كل مسلم بيديه أو بلسانه أو بقلبه , ونحمد الله على أن الدولة قننته ووضعت له جهازا ينظم أموره ولم يترك لاجتهادات ربما مبالغ فيها أو غير صحيحة أو منفعلة ومتحيزة .
فأيهما أفضل يا مطالبين بإلغائه أن يترك في يد الدولة تتحكم في آلياته أم تلغيه الدولة ونترك الحبل على الغارب فينكر من أراد أن ينكر بطريقته ويقاومه من أراد بطريقته ونغرق في دوامة بين معسكرين لا شك نهايتها الحتمية كل يفرض رأيه ووجهة نظره بالقوة ( فكروا فيها بالله عليكم , ففي ظل تمسك الكثير من أبناء مجتمعنا بروح الشريعة هل يمكن ترك هذا الواجب بكل بساطة , يعني البعض ممن يطالبون بإلغاء الهيئة مالبديل الذي يتوقعونه ؟ انفلات للقيم والأخلاق وانتهاك الحرمات في الشوارع والأماكن العامة ؟ هناك من السخفاء يتشدق بأن المجتمع سيكون بخير من دونهم , سبحان الله وهل المجتمع بخير وهم بين ظهرانينا ؟ , مع وجود رجال الهيئة والأماكن العامة والمولات والأسواق فيها ما فيها فكيف لو انعدم وجودهم ( مثال واقعي : لم أجد قط رجال الهيئة في الردسي مول , هل شاهدتم كيف هو في إجازة نصف العام ؟ هل من يتجرأ ويقول لي ما رأيته يومها هناك يمثل مجتمعا مسلما مثاليا , فليفقأ عيني من يتجرأ ويقول أنه لم يرى مضايقة الشباب للعوائل بكل صفاقة وإصرار وجرأة وعدم خوف , فليفقأها ثانية من يقول أن ملابس وهيئة أكثريتهم ليست مزرية وقذرة , أنا لا أفهم كيف تبدو تلك الملابس الممزقة والمتنافرة الألوان والغريبة والسلاسل والأصداف والقواقع التي يعلقونها وتسريحات الشعر هي تقدم وموضة وتحضر وجمال للعين والروح , لماذا يتعمد أولئك الشباب الحضور إلى ذلك المول ؟ أليس لتواجد ألاف العوائل هناك , هل لاحظتم معاناة رجال الأمن معهم لمنعهم الصعود للدور العلوي حيث تجمع العائلات ؟ هل هذا المجتمع الذي تريدونه بدون رجال الهيئة ؟؟
نعم ثم نعم ثم نعم
هناك من يجهل
وهناك من يتجاهل
وهناك من لا يريد أن يعرف أنه يجهل
أقول وأمري إلى الله قبل أن تطالبوا بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف اغرسوا القيم الحميدة والقيم الإسلامية الراقية وحب الخير لأخيك كما تحبه لنفسك , وانظر للفتاة الغريبة عنك وكأنها أختك وأمك وبنتك وتمنى لها ما تتمناه لمحارمك , عندها فقط سأكون أول من يطالب بسجن رجال الهيئة وليس بإلغاء دورهم .
نعم لتثقيف بعضهم , نعم لإخضاعهم لدورات مكثفة للتعامل مع المجتمع والحالات المختلفة , نعم لوضع أسس ونظام محدد يعملون من خلاله , نعم لوجود جهاز رقابي عليهم وجهة تخضعهم للمساءلة عند اللزوم , ولكن لا وألف لا لإلغاء دورهم الحامي والحارس من شطط السفهاء والمستهترين بالقيم والعادات التي نشأنا عليها .
مقطع ذا دلالة :
http://www.4shared.com/video/hVCCqu-_/_online.html
........
ملاحظات على المقطع :
1- أن الصورة العامة للحدث مقززة وغير حضارية وتدل على أن من نراهم هم مجموعة من البرابرة .
2- الفتاة متحجبة وكل ذنبها أنها جميلة .
3- معها طفل أي أنها برفقة ابنها أو أخيها , ولو كانت تنوى السوء لخرجت لوحدها .
4- تمشي في مكان عام أو بالأصح شارع عام , يعني سوق أو مصلحة تخصها .
5- لماذا تحملت كل هذه الهمجية وصعدت مع أول (سربوت) عاكسها.
6- نظرة الفتاة وثقتها بنفسها وعلمها أن هناك من يصورها (ربما) تكون حركة مقصودة من بعض أصحاب النفوس الضعيفة لتشوية صورة شبابنا وإظهارنا للعالم بهذه الهمجية والتخلف .
7- نشر هذه الصورة عبر المنتديات والقروبات البريدية فيه إساءة لبلدنا كبيرة وفوق الوصف وربما تكون متعمدة كما قلت .
8- أخيرا لو كان المقطع طبيعي وغير مقصود ما الذي اخطأت فيه الفتاة , وماذا نسمي تلك الترفاهات من بعض شبابنا وقول أحدهم لها (يــا قحـــ .... ) وأي (قحــــا ....) في تصرفها .
9- تخيلوا لو أن الشاب الذي وصفها بالقحــــ كان من خلفها ثم تقدم عليها فوجدها أخته ............. .
10- تخيلوا لو أنها بدون عباءة أو كانت عبائتها زاهية الألوان أو مخصرة كما نرى من موديلات الردسي مول , كيف تكون ردة فعل هؤلاء .
11- ماهي الترسبات التي ستتكون في نفسية هذا الطفل مما يشاهده , وألا يستحق أولئك المتخلفين محاكمة شرعية للأذى النفسي الذي ألحقوة بنفسية ذلك الصغير الذي يتلفت في حيرة وخوف ولا يدري أي ذنب جناه هو وأمه أو أخته , وهل تعتقدون أنها ستمحى من ذاكرته بسهولة , وألا يمكن أن تكون نقطة تحول في حياة هذا الصغير نحو نظرته للمجتمع بشكل سلبي ؟؟؟؟؟؟
12- ربما لو كان رجال الهيئة بالقرب من الموقع لسترت الفتاة وجهها وكفت نفسها كل هذه الهمجية وكفت أهلها ذلك الخزي الذي يجدوه بعد نزول هذا المقطع في المنتديات والقروبات البريدية ,وربما تكون متزوجة أو مخطوبة فتسبب هذا المقطع بدمار لحياتها وحياة ابنائها , وربما لما تجرأت هذه الشرذمة على تلك الممارسات الهمجية ( هل لاحظتم أحدهم حاول مسكها من السيارة ) ,
13- ما الذي أضافه هذا المقطع ومصوره وناشره لثقافتنا الاجتماعية غير صورة من صور السخف والتخلف والهمجية وما الفائدة الناتجة عنه .
أخيرا : قال تعالى ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال أيضا (إن السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا ) .
,,, والله يديم علينا نعمة وجود أبطال الهيئة ولو كره الحاقدون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ